فصل: أسئلة وأجوبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}:

.قال الفخر:

اعلم أن العدل هو التسوية.
يقول: عدل الشيء بالشيء إذا سواه به، ومعنى {يَعْدِلُونَ} يشركون به غيره.
فإن قيل: على أي شيء عطف قوله: {ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
قلنا: يحتمل أن يكون معطوفًا على قوله: {الحمد للَّهِ} على معنى أن الله حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة {ثُمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} فيكفرون بنعمته، ويحتمل أن يكون معطوفًا على قوله: {خَلَقَ السموات والارض} على معنى أن خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه، ثم إنهم يعدلون به جمادًا لا يقدر على شيء أصلًا.
فإن قيل: فما معنى ثم؟
قلنا: الفائدة فيه استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
قال قطرب: هو مختصر يعني الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون الأوثان أي يشركون وأصله من مساواة الشيء بالشيء يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته به.
وقال النضر بن شميل: الباء في قوله: {بِرَبِّهِمْ} بمعنى عن، وقوله: {يَعْدِلُونَ} من العدول. أي يكون ويعرفون.
وأنشد:
وسائلة بثعلبة بن سير ** وقد علقت بثعلبة العلوق

وأنشد:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ** متى لجج خضر لهن نئيج

أي من البحر قال اللّه تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} [الإنسان: 6] أي منها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} عطفت جملة {ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون} على جملة: {الحمد لله الذي خلق السماوات}.
ف {ثم} للتراخي الرتبي الدالّ على أنّ ما بعدها يتضمّن معنى من نوع ما قبله، وهو أهمّ في بابه.
وذلك شأن (ثم) إذا وردت عاطفة جملة على أخرى، فإنّ عدول المشركين عن عبادة الله مع علمهم بأنّه خالق الأشياء أمر غريب فيهم أعجب من علمهم بذلك.
والحجّة ناهضة على الذين كفروا لأنّ جميعهم عدا المانوية يعترفون بأنّ الله هو الخالق والمدبّر للكون، ولذلك قال الله تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذّكّرون} [النحل: 17].
والخبر مستعمل في التعجيب على وجه الكناية بقرينة موقع {ثم} ودلالة المضارع على التجدّد، فالتعجيب من شأن المشركين ظاهر وأمّا المانوية فالتعجيب من شأنهم في أنّهم لم يهتدوا إلى الخالق وعبدوا بعض مخلوقاته.
فالمراد بـ {الذين كفروا} كلّ من كفر بإثبات إله غير الله تعالى سواء في ذلك من جعل له شريكًا مثل مشركي العرب والصابئة ومن خصّ غير الله بالإلهية كالمانوية.
وهذا المراد دلّت عليه القرينة وإن كان غالب عرف القرآن إطلاق الذين كفروا على المشركين.
ومعنى {يعدلون} يُسوّون.
والعدل: التسوية.
تقول: عدلت فلانًا بفلان، إذا سوّيته به، كما تقدّم في قوله: {أو عَدْل ذلك صيامًا} [المائدة: 95]، فقوله: {بربّهم} متعلّق بـ {يعدلون} ولا يصحّ تعليقه بـ {الذين كفروا} لعدم الحاجة إلى ذلك.
وحذف مفعول {يعدلون}، أي يعدلون بربّهم غيره وقد علم كلّ فريق ماذا عدل بالله.
والمراد يعدلونه بالله في الإلهيّة، وإن كان بعضهم يعترف بأنّ الله أعظم كما كان مشركو العرب يقولون: لَبَّيك لا شريك لك إلاّ شريكًا هو لك تملكه وما ملك.
وكما قالت الصابئة في الأرواح، والنصارى في الابن والروح القدس.
ومعنى العجيب عامّ في أحوال الذين ادّعوا الإلهيّة لغير الله تعالى سواء فيهم من كان أهلًا للاستدلال والنظر في خلق السماوات والأرض ومن لم يكن أهلًا لذلك، لأنّ محلّ التعجيب أنّه يخلقهم ويخلق معبوداتهم فلا يهتدون إليه بل ويختلقون إلهيّة غيره.
ومعلوم أنّ التعجيب من شأنهم متفاوت على حسب تفاوت كفرهم وضلالهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
في قوله تعالى: {يَعْدِلُونَ} وجهان للعلماء:
أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه، وعلى هذا فقوله: {بِرَبِّهِمْ} متعلق بقوله: {كَفَرُوْا}، وعليه فالمعنى: إن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال، وقيل على هذا الوجه: إن الباء متعلقة بيعدلون، ومعنى يعدلون يجعلون له نظيرًا في العبادة من قول العرب: عدلت فلانًا بفلان إذا جعلته له نظيرًا وعديلًا. ومنه قول جرير:
أثعلبة الفوارس أم رياحًا ** عدلت بهم طهية والخشابا

يعني أجعلت طهية والخشاب نظراء وأمثالًا لبني ثعلبة، وبني رياح، وهذا الوجه الأخير يدل له القرآن، كقوله تعالى عن الكفار الذين عدلوا به غيره: {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين} [الشعراء: 97- 98]، وقوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله} [البقرة: 165]، وأشار تعالى في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق- قبحهم الله تعالى- كقوله: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار} [الرعد: 16]، وقوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17]، وقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28]، الآية إلى غير ذلك من الآيات، وعدل الشيء في اللغة مثله، ونظيره، قال بعض علماء العربية: إذا كان من جنسه، فهو عدل- بكسر العين- وإذا كان من غير جنسه، فهو عدل- بفتح العين- ومن الأول قول مهلهل:
على أن ليس عدلًا من كليب ** إذا برزت مخبأة الخدور

على أن ليس عدلًا من كليب ** إذا اضطرب العضاه من الدبور

على أن ليس عدلًا من كليب ** غداة بلابل الأمر الكبير

يعني أن القتلى الذين قتلهم من بكر بن وائل بأخيه كليب الذي قتله جساس بن مرة البكري لا يكافؤونه، ولا يعادلنه في الشرف.
ومن الثاني قوله تعالى: {أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا} [المائدة: 95]، لأن المراد نظير الإطعام من الصيام، وليس من جنسه، وقوله: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} [الأنعام: 70]، وقوله: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 123] والعدل: الفداء، لأنه كأنه قيمة معادلة للمفدي تؤخذ بدله. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول: أن قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض} جار مجرى ما يقال: جاءني الرجل الفقيه.
فإن هذا يدل على وجود رجل آخر ليس بفقيه، وإلا لم يكن إلى ذكر هذه الصفة حاجة كذا هاهنا قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض} يوهم أن هناك إلهًا لم يخلق السموات والأرض، وإلا فأي فائدة في هذه الصفة؟
والجواب: أنا بينا أن قوله (الله) جار مجرى اسم العلم.
فإذا ذكر الوصف لاسم العلم لم يكن المقصود من ذكر الوصف التمييز، بل تعريف كون ذلك المعنى المُسَمّى، موصوفًا بتلك الصفة.
مثاله إذا قلنا الرجل العالم، فقولنا: الرجل اسم الماهية، والماهية تتناول الأشخاص المذكورين الكثيرين.
فكان المقصود هاهنا من ذكر الوصف تمييز هذا الرجل بهذا الاعتبار عن سائر الرجال بهذه الصفة.
أما إذا قلنا: زيد العالم، فلفظ زيد اسم علم، وهو لا يفيد إلا هذه الذات المعينة، لأن أسماء الأعلام قائمة مقام الإشارات.
فإذا وصفناه بالعلمية امتنع أن يكون المقصود منه تمييز ذلك الشخص عن غيره، بل المقصود منه تعريف كون ذلك المسمى موصوفًا بهذه الصفة.
ولما كان لفظ (الله) من باب أسماء الأعلام، لا جرم كان الأمر على ما ذكرناه والله أعلم.
السؤال الثاني: لم قدم ذكر السماء على الأرض، مع أن ظاهر التنزيل يدل على أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء؟
والجواب: السماء كالدائرة، والأرض كالمركز، وحصول الدائرة يوجب تعين المركز ولا ينعكس، فإن حصول المركز لا يوجب تعين الدائرة لإمكان أن يحيط بالمركز الواحد دوائر لا نهاية لها، فلما كانت السماء متقدمة على الأرض بهذا الاعتبار وجب تقديم ذكر السماء على الأرض بهذا الاعتبار.
السؤال الثالث: لم ذكر السماء بصيغة الجمع والأرض بصيغة الواحد مع أن الأرضين أيضًا كثيرة بدليل قوله تعالى: {وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12].
والجواب: أن السماء جارية مجرى الفاعل والأرض مجرى القابل.
فلو كانت السماء واحدة لتشابه الأثر، وذلك يخل بمصالح هذا العالم.
أما لو كانت كثيرة اختلفت الاتصالات الكوكبية فحصل بسببها الفصول الأربعة، وسائر الأحوال المختلفة، وحصل بسبب تلك الاختلافات مصالح هذا العالم.
أما الأرض فهي قابلة للأثر والقابل الواحد كاف في القبول، وأما دلالة الآية المذكورة على تعدد الأرضين فقد بينا في تفسير تلك الآية كيفية الحال فيها والله أعلم. اهـ.
السؤال الرابع: لقائل أن يقول: لم ذكر الظلمات بصيغة الجمع، والنور بصيغة الواحد؟
فنقول: أما من حمل الظلمات على الكفر والنور على الإيمان، فكلامه هاهنا ظاهر، لأن الحق واحد والباطل كثير، وأما من حملها على الكيفية المحسوسة، فالجواب: أن النور عبارة عن تلك الكيفية الكاملة القوية، ثم إنها تقبل التناقص قليلًا قليلًا، وتلك المراتب كثيرة.
فلهذا السبب عبّر عن الظلمات بصيغة الجمع. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
باسمه استنارت القلوب واستقلت، وباسمه زالت الكروب واضمحلت، وبرحمته عرفت الأرواح وارتاحت، (وبها) انخنست العقول فطاحت.
ويقال باسم الله نال كل مؤمل مأموله، وبرحمة الله وجد كل واحد وصوله.
بدأ الله سبحانه بالثناء على نفسه، فحمد نفسه بثنائه الأزليّ وأخبر عن سنائه الصمدي، وعلائه الأحدي فقال: {الحمد لله}.
وقوله عز وجل: {الَّذِى خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ}: فالذي إشارة و{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} عبارة. استقلت الأسرارُ بسماع الذي لتحققها بوجوده، ودوامها لشهوده، واحتاجت القلوب عند سماع الذي إلى سماع الصلة لأن الذي من الأسماء الموصولة بكوْنِ القلوب تحت ستر الغيب فقال: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}.
قوله جلّ ذكره: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
خَلَقَ ظلمةَ الليل وضياءَ النهار، ووحشةَ الكفر والشِرْك، ونور العرفان والاستبصار.
ويقال جَعَلَ الظلماتِ نصيبَ قوم لا لجُرْمٍ سَلَفَ، والنورَ نصيبَ قومٍ لا لاستحقاقٍ سبق، ولكنه حُكْمٌ به جرى قضاؤه.
ويقال جعل ظلماتِ العصيان محنةَ قومٍ، ونور العرفان نزهةَ قوم. اهـ.

.قال الخازن:

قال النضر بن شميل: الباء في قوله بربهم بمعنى عن أي عن ربهم يعدلون وينحرفون من العدول عن الشيء وقبل دخول ثم في قوله ثم الذين كفروا بربهم يعدلون دليل على معنى لطيف وهو أنه تعالى دل به على إنكاره على الكفار العدل به وعلى تعجيب المؤمنين من ذلك ومثال ذلك: أن تقول لرجل أكرمتك وأحسنت إليك وأنت تنكرني وتجحد إحساني إليك فتقول ذلك منكرًا عليه ومتعجبًا من فعله. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر، وذلك أولى من أن يجيء بلفظ الأمر فيقول احْمِدِ الله، لأمرين:
أحدهما: أنه يتضمن تعليم اللفظ والمعنى، وفي الأمر المعنى دون اللفظ.
والثاني: أن البرهان إنما يشهد بمعنى الخبر دون الأمر.
{الَّذِي خَلَقَ السَمَوَاتِ والأرضَ} لأن خلق السموات والأرض نِعَمٌ تستوجب الحمد، لأن الأرض تقل، والسماء تظل، وهي من أوائل نعمه على خلقه، ولذلك استحمد بخلقها وأضاف خلقها إلى نفسه عند حمده، على أن مستحق الحمد هو خالق السموات والأرض، ليكون باستحقاق الحمد منفردًا لانفراده بخلق السموات والأرض.
وفي جمع السموات وتوحيد الأرض وجهان:
أحدهما: لأن السموات أشرف من الأرض، والجمع أبلغ في التفخيم من الوحيد كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلَنَا الذِّكْرَ} [الحجر: 9].
والثاني: لأن أوامره إلى الأرض تخترق جميع السماوات السبع.
وفي تقديم السموات على الأرض وجهان:
أحدهما: لتقدم خلقها على الأرض.
والثاني: لشرفها فقدمها على ذكر الأرض وإن كانت مخلوقة بعد الأرض.